بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر حياة الشيخ حضرت سامي ( قدّس الله سرّه العالي ) بقلم (أمينِ سرّهِ المعنوي) و سراجُ الطالبينَ لهذه الطريقةِ العليّةِ بعد وفاته، الشيخ عمر محمد أوزتورك (حفظه الله)
وُلد الشيخ سامي (قدس الله سره العالي) في عام 1892م في مدينة (أطنه) بحيّ (تپه باغ) شرَّفَ الدّنيـا (قدّس الله سرّه) في هذا العام ، وكان والده المسمى بـِ(مُجتبَى أفندي) و والدته (السيّدة أمّ كُلثوم) وجدُّهُ الأعلى (عبد الرحمن) وأجدادُه الأكبر هما: (إسحاق و حسين أفندي) ونسبهُ الشريف يمتدُّ إلى أحدِ القبائل التركيّةِ الكبيرة المسمّى بقبيلةِ (رمضان أوغلو) (أي قبيلة بن رمضان) وكان (عبد الهادي أفندي) هو آخرُ من سادَ لهذهِ القبيلة وهو جدُّه الكبير أي جدُّ الشيخ سامي أفندي (رحمه الله.)
وبناءً على قول (عبد الهادي أفندي) يتّضحُ لنا أنَّ (قبيلة رمضان أوغلو) أصلهم من (أوغوز) ومن يدقِّق البحثِ في نسبهِ الشريف، يجد أن هذه القبيلة تمتدُّ جذورها إلى الخاقان التركي (نور الدّين الزّنكي) المسمّى بـِ (الشّهيد) (رحمه الله تعالى) ومنه إلى الصّحابيِّ الجليل (خالد بن الوليد) (رضي الله عنه) المسمّى بـِ (سيفِ الله).
وفيما يلي ننقلُ لكم مختصر حياته (قدّس الله سرّه) من كلامهِ الشريف: قال الشيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي)
ولادتي كان في تاريخ 1308ه في (أطنه) وفي (وقف سراي)
قبل ولادتي، أتى أحدٌ إلى بابِ دارنا وقال: عن قريب الزّمان إن شاء الله ستكون ولادة في هذا الدّار، وسيكون ولداً. بعد ولادته سمّوهُ (سامي) سيكون إنساناً خيِّراً إن شاء الله. ويذهبُ ذلك الرّجل
وبعد مدةٍ قصيرة، تتحقّقُ الولادة، ويكون ولداً مثل ما بَشَّر ذلك الرجل، وسمّوهُ (محمود سامي) ثم أتى ذلكَ الرجلُ مرّةً أخرى فأخبروهُ بأنَّ الولادة تمَّت، ورُزقوا بولدٍ وسمّوهُ باسم (محمّد محمود سامي)
بعد ما عَلِم الرّجل ذلك، قال: أعطوني أمانتي الّتي في الصندوق. فأهل البيت أعطوهُ الأمانة. فقال الرجل: ليست هذه ما أطلبها. أعطوني الأمانةَ الأصليةَ (الخاصّة بي) الّتي في الصندوق. فأعطوه، فأصبح الرجلُ مسروراً بإعطاءِ الأمانةِ إياه ودعا لأهل البيتِ وذهب
يقول الشيخ (سامي) رحمهُ الله معلّقاً لهذهِ المعلومة: قيّدوا هذه المعلومة المهمّة. (أي دوّنوها) إنّ الرجل الذي أتى لبابِ الدّار، ليس كأيّ رجل. وتابع الشيخ (رحمه الله تعالى) كلامه مخاطباً لأمينِ سرّه المعنويّ الشيخ عمر محمد أوزتورك (حفظه الله): قيّد هذه المعلومات مثل ما هي. باذن الله تعالى سيُنشَرُ في المستقبل وسيكونُ طيّباً إن شاء الله وسيكونُ خيراً باذن الله
ملاحظة: هذه المعلومات منقولة من مدوّنات السيد عمر كراز أوغلو (رحمه الله) الذي كان زوجاً لكريمة الشيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي)
من المعلومة المذكورة أعلاها نفهم بأنّ إسمه الكامل هو (محمد محمود سامي) ونلاحظ أيضاً من الكتابة المكتوبة بيده الشريف المدوّنة بالّلاتينية في أوراق (البيان نامة) المخصوصة بتحرير (الصكّ الشرعي) الموجودة بمديريّة (القاداسترو) كان إسمه في مكان التوقيع (سامي) فقط. وفي الهويّة أيضاً كان هكذا. (أي إسم مفرد.)
المستفادُ من هذه المعلومة، أنّه آنذاك كانت إستخدام بعض الأسماء محظورة. (أي ممنوعة) لذا كانوا يُخفونُ بعض أسمائهم من باب الحذرِ والإحتياط. ونعلم أيضاً أن ولادةَ الشيخ كان في ولاية (سيحان) بـِ (أطنة) وبحيّ (قايالي باغ) بزقاق (عبد الله صابونجي) وبهذا يتّضحُ لنا أنه غُيِّرت جميعَ تلك الأسماءِ إلى أسماء أخرى
منذُ أن سُمّيَ بعد ولادته باسم (سامي) حمِل الشيخ (قدِّس سرّه) بجميع أوصاف وآثار هذه البشارة العليَّة التي كانت مكمونةً باسمه
وظهرت لنا (على قدرِ إحاطة علمنا) آثار هذا الاسم المبارك طيلة عمره الشريف. وكانت جميع أحواله تشير إلى أنّه (صاحب المقام العالي)
في عصر الجهالة التي أزيلت فيه أحكام الحقّ واستُبدِلت مكانها دستور الخلق (أي الجمهور) حتى قال أغلبيّة المجتمع (لتبرير تصرّفاتهم الغير إسلاميّة)
في ظلّ الشروط والأحكام المحيطة بِنا، وبمُقتضى هذا العصر (الذي هو عصر العلم والتقدّم) لا نستطيع تطبيق جميع أحكام الدين الإسلامي إلّا بهذا القدر المستطاع
أمحق الشيخ (سامي) هذا القول والإدّعاء وأزالها بجميع أحواله وأفعاله التي استمرّت بلا انقطاع طيلة عمره. (أي قُرابة عصر) وأثبتَ بعمرهِ الشريف أنّنا نستطيعُ العيشَ وإمرار الحياة بتطبيقِ أحكام الدّين الإسلامي التي ستبقى حكمها باقيةً إلى يوم القيامة وباتّباع سنّة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حرفيّاً، حتى عند زيادة الفتنِ وبلوغها لمرحلة الذّروة
الشيخ سامي فريدُ عصرهِ وهو أحدُ الأولياءِ العظماءِ الذي نادراً ما يتكرَّرُ ظهورُه على مرِّ العصورِ
هذا قول أحد أولياء الله الكبار في حقّ الشيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) وبهذا القول يتّضح لنا مكانته العالية (الخاصّة به) عند أهلِ الله.
في أيّامِ طفولتهِ،كانت أمّهُ المحترمة تُرسلهُ للخارج لكي يلعبَ مع أقرانه. ولكنَّ حضرتهُ كان يجلسُ ويضع يداه فوق ركبتيهِ متأدّباً مثل هيئة الجلوس في التحيّة، ويُمعنُ النّظر إلى البعيد، متعمّقاً في التفكير.
ويرجع سبب هذا إلى إتّباعِه منذ صباهُ بسنّةِ النبيّ (صلى الله عليه وسلم.) حيثُ كانَ هيئة جلوسه (عليه السّلام) في المعراجِ هكذا. وبناءً على ذلك، استمرَّ الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) بالتّمسّكِ لهذه السنّةِ النبويّة طيلةَ عمره بهذا الشّكل. وما أحدٌ رآه قطّ، وهو على خلافِ هذهِ الهيئة
وحينما كان يُسألُ له عن سببِ جلوسهِ وعدم اللعب مع أقرانهِ، كان جوابه: نحنُ لسنا بمخلوقينَ من أجلِ اللعب
وهذا القول هو تلميحٌ للحديثِ النبويّ ودليلٌ على تمسّكهِ باتّباعِ سنّتهِ (صلى الله عليه وسلم.)
استمرّت حياة الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) 96 عاماً وهو متّبعٌ لسنّةِ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) وهذا الإتّباع كان اتّباعاً تاماً قَلّما نجدُ أمثلتهُ اليوم إلّا في كتب المناقب.
من مولدِه الشّريف إلى انتقالهِ إلى دارِ البقاءِ، استمرَّ اِتّباعه لسنّةِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالتّسليميّةِ التّامّةِ في اتّباع السّنّة النبويّة بليله ونهاره وحركاتهِ وسكناته . مثل ما ذُكِر في أبيات پير أفندي (قدّس سرّه) وكما قال الصّحابيّ الجليل عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) في تعريف الإتّباع التّام للسّنّة النبويّة، أفدَى الشّيخ سامي كلَّ عمره الشَّريف في اتّباع السّنّة المطهّرة في عتبة رسول الله محمّدٍ المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم) دونَ أن يُعطيَ مجالاً أو مداخلةً للعقل في هذا الإتّباع
ومثل ما قال الشّيخ مُحي الدّين ابنُ العربيّ (رحمه الله): الكرامة الحقَّة هي الكرامة المعنويّة وهي التّوفيق في استطاعةِ تطبيقِ سنّةَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أربعٌ وعشرين ساعةً (أي في كلّ الأوقات) تطبيقاً تامّاً. وهذا التّعريف هو التّعريفُ المقبولُ عندنا
وحياة الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) كانت منظومةً من الكراماتِ المعنويّة التي استمرّت طيلة عمرِه الشّريف. (أي ما يقارب من العصر)
قال الشيخ مُحي الدّين ابن العربي (رحمه الله): أهل الله (أي أولياء الله) ينظرونَ إلى حالةِ ظهورِ الكرامةِ من أنفسهم بنظرةٍ، مثلَ ظهورِ حالتي الحيض والنّفاس الموجودتيْن في النّساء.
كان الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) حريصٌ جداً بأقصى حدٍ في تطبيق ما تضمّنهُ هذا القولُ الشّريف. حتّى مرةً من المرّات، في النّصف الثّاني من سنة 1970 ميلاديّة كان في جلسةٍ في أحد المنازلِ الموجودةِ بِـ (أرن كوي) وكان موضوع الجلسة كرامات الشّيخ عبد القادر كيلاني (قدّس الله سرّه العالي.)
وحينما وصلَ الشّيخ سامي إلى موضوعِ قصّةِ استنقاذُ الولدُ الأرمنيّ الذي كان من ناحية (ميسيس وقرية عبد أوغلو) التابعة لمدينةِ أطنة، حينما سقطت جميعُ أكياسهِ من مركبِهِ واستنقذَ بالشّيخِ عبد القادر وكيف نجى بعدهُ من هذه الورطةِ بهمَّةِ الشّيخِ (قُدِّس سرّه) فجأةً قام من وسط المجلس الدكتور بهاء بيك الذي كان يُعتبُر من الإخوانِ المحبّين وقال بصفاءِ وبراءةِ قلبهِ رافعاً صوتَه: واللهِ هذا الذّات (قاصداً سامي أَفندي رحمه الله) هو العبد القادر الكيلاني في عصرنا هذا. والله متى ما قلتُ من ضيقِ الحالِ وتَضْييقِ الشَّدَائِدِ: يَتِيشْ ياحضرتِ سامي (أي أَغِثْنِي المدَد يا حضرت سامي) والله انحلَّتْ جميع مشاكلي بهمّتِهِ الجليّة
حينما صاح الدكتور بهاء بيك بهذا الأسلوب قطع الشّيخ سامي (رحمه الله) الجلسةَ خلافاً على عادتهِ المعروفةِ وأنهاها بقوله: “الفاتحة” مع أنّه كانت الجلسةُ قد بدأت منذُ قليل
التفت وقال متوجّهاً للفقير (أي للسّيّد عمر محمد أوزتورك حفظه الله): ((جَهِّزوا السَّيَّارة))
وأثناء خروجه من المنزل (دون أن يُكْملَ الجلسة) قال وهو يخاطبُ صاحبَ المنزل: “قَبِلْنَا إكْرَامَكُمْ وَرَضِيَ الله عَنْكُمْ” وغادر المنزل دون أن يأكلَ شيئاً. وهذا كان درساً عظيماً بأسلوبه الخاص لمن أفشى سِرَّه عَلناً وأظهرَ كرامتَه (قدّس الله سرّه العالي.)
وبهذا كان الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) الذي كلَّ حياتِهِ كانت منظومةً من الكراماتِ المعنويّة (أي الإستقامة) كان يعلّمُنا بأن نُخْفِي الكراماتِ الصّادرةِ من ذاته الشّريف (قدّس الله سرّه.)
ومن مضمونِ هذا القول، نفهمُ أنَّ الكرامةَ ليست مطلوبةً ولكن إن ظهرت فهي رحمةٌ من الله تعالى لِمن يُشاهدها. وهذا يوجب لنا الحمد. ويعلّمنا أيضاً وجوبَ الإستمراريّةِ في طريق الحقِّ بالحمدِ والإستقامةِ دون أن نتعلّقَ للكرامةِ نفسها. وهذا يؤدّي إلى دوام قلبنا الذي هو حائزٌ للتّحوّلِ والإنقلاب بالبقاء مع الله الذي هو المطلوب الحقيقيّ (جلّ جلاله) ويجب الإجتناب من الأغيار (أي الأشرار.)
وفيما يلي هو أحد الأمثلة الذي ذكره الشّيخ سامي حينما كان يتحدّث عن حالات القلب: يوجدُ حيوانٌ يُسمّى (بوقالامون) واسمه في اللغةِ التركية (باخطاباقان) وفي العربيّةِ تُسمّى (الحرباء) وهو حيوانٌ يتعلّق بذيلهِ للأغصان
في أيّامِ طفولتنا كنّا نأخذ هذه الحرباء الرماديَّة اللون ونضعها تحت الطّربوش الأحمر الذي كان يلبسه الرّجال آنذاك. وبعد مدّةٍ يسيرة حينما نرفعُ الطّربوش من فوق الحيوان كنَّا نلاحظ أنّ لونه تحوّل إلى أحمر، وبعد مدّة كان يعود إلى لونِهِ الأصليّ (أي يرجع جسمه إلى اللون الرّمادي.) وأيضاً كنّا نأخذ الحجابِ الأسودِ (المسمّى بالعرقيّة) الذي ترتديهِ النّساءُ على رؤوسهنّ ونضع فوق هذا الحيوان، وبعد قليل كنّا نجد أنّ لونه تحوّل إلى أسود وبعد مدةٍ كان يسترجع لونه الأصليّ بعد رفع الحجاب من فوقه
إذا كان خاصيّة التّحوّل والإنطباق للمكان الذي هو فيه، توجَدُ بأقصى درجةٍ في هذا الحيوان، فيجب علينا أن نتأمّلَ كيفَ نحافظ على قلبِنا الذي يتحوّلُ ويتقلّبُ من حالٍ إلى حال؟
وكما قيل في الحديثِ النّبويّ الشّريفِ: “إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُمْ وَلا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ” لأنّ القلبَ هو محلَّ النّظرِ الإلهيّ و التّجلّياتِ الإلهيّة فيجب علينا أن نحذرَ و ننتبهَ لهذه الخاصيّة
وقال أيضاً (قدّس الله سره): في أيّام ِشبابي حينما كنتُ في التّكيّة كان هناكَ شخصٌ من أهل الحالِ والكشوفاتِ يُسمّى (عادل بيك) حيث قال لي: سامي يا ولدي. انتبه تمامَ الإنتباه للأَشخاصِ الذين بينك وبينهم مناسبةٌ ولا تجلس وجهاً لوجهٍ مع الأشخاص الذين في قلوبهم قساوةٌ. (وتابع عادل بيك كلامه): في أحد المرّات كنتُ جالساً في (جامع آياصوفيا) وكنت أستمع إلى المولد النبويّ الشريف. فانتبهتُ بُرهةً بأنّ جميعَ لطائِفِي توقّفت. فلاحظت في الحال بأن الرّجُل الذي كان يجلس أمامي (أي بحاضري) قلبه سقيم (أي في قلبه قساوة.) وما رجعَتْ لطائفي على حالتها الأولى إلاّ بالصّعوبةِ بعد ثلاثةِ أيّام
إذا كان القلبُ يتأثّر بهذا الإنعكاسِ حتى أثناءَ سماعِ المولد النبويّ الشّريف، فيجب علينا أن ننتبهَ تمام الإنتباهِ وأن نحذرَ من الأشخاص الذين لهم مناسبةٌ معنا
سلطانُ القلوبِ والأفئدةِ حضرت سامي (قدّس الله سرّه العالي) كان يعرّفُ لنا بأنّ القلبَ كما هو مبيَّنٌ في القرآن الكريم ينقسم إلى خمسةِ أصنافٍ: (بالمختصر) 1-القلبُ الميّت 2-القلب المريض(العليل) 3-القلب الغافل 4-القلب الذاكر 5-القلب الحيّ (أي حيٌ من الجهة المعنويّة)
وكان يُذكّرنا كراراً ومراراً بأنّ الوسيلةَ الوحيدةَ لمحافظة قلبِنا من جميعِ الأمراضِ (المعنويّةِ) والمهالكِ، هي المداومةُ لذكرِ الله تعالى
وكان يُبيّن لنا بأنّ المداومةَ لذكر الله لا تتِمُّ إلاّ بتقليلِ الطّعامِ (أي الأكل والشّرب) والمداومةِ للصّيامِ وبالمحافظةِ على الآدابِ والشّروطِ أثناء ذكر الله تعالى
لأنّ المرءَ كما بُيّن في الحديثِ الشّريفِ، إذا وُفّقَ لذكر الله تعالى بقلبه، خَنَسَ عنده الشّيطانُ ميؤوساً. وإذا غَفِلَ المرءُ عن الذّكر رجع إليه مرّةً أخرى. وذُكر في الحديثِ أيضاً: مَثَلُ الّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّه مَثَلُ الْحَيِّ وَالمْيّتِ
بمثل هذه الأقوالِ والأحاديثِ الشريفةِ كانت تُدعَى جميعُ البشريَّةِ إلى مداومةِ الذّكرِ أو إلى من يُحَبِّبُ للناسِ ذكرُ اللهِ تعالى
قال تعالى في سورة التوبة: بسم الله الرحمن الرحيم “يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” صدق الله العظيم. يقول الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) مُفسّراً لهذه الآيةِ الشَّريفة: الإستفادةُ من الصّالحينَ والصّادقينَ لا تنحصر لهذه الدّنيا فقط. بل سيُسْتَفادُ منهم في القبرِ وفي المحشَرِ أيضاً بإذن الله
بالأمثلة التي يَسْرِدُها من التفسير والأحاديثِ النبويَّةِ الشَّريفةِ كان الشّيخ سامي (قُدِّس سرّه) يُعزِّزُ أمثِلتَه بالمناقبِ الّتي عاشها خلال عمرِهِ الشّريف فيقول: في أيّام طفولتي كانت أختي معاقةٌ ولا تستطيع المشي على قدميها. فأقرِباؤنا أَوْصُونا بأن نذهبَ بها إلى أحد القُرى التي كانت قريبة من (پوزانطي) حيث توجد هناك تربةٌ لشيخٍ اسمه (قاپلانجا ده ده) وقالوا: خذوها إلى هناك، إن شاء الله تعالى سيشفيها الله بوسيلته بإذن الله
أنا ووالدتي وأختي ذهبنا إلى مكان تُربةِ ذلك الشيخُ في القريِة المشار إليها وقضينا تلك الليلة بجانب تربة الشّيخ رحمه الله
في منتصف الليلِ قامت أختي من النّوم فجأةً وهي مذعورة. فسألتها والدتي عن سبب صِياحِها وقالت: ما بِكِ خائفةٌ؟ ولماذا تصيحين يا بُنيّتي؟ فأجابها أختي وقالت: إنّ صاحبَ هذا القبرِ (أي الشّيخ) قام من تربتِهِ، جاء وجلس فوق قدَميَّ المعاقَتَيْن
بعد هذه الكرامةِ قامت أختي بإذن الله تعالى ومَشَتْ على قدميها كأن لم يكُن لها شيئاً. وما مسّ بقدميها ألمٌ قطّ طيلة عمرها
وهذا هو أكبرُ دليلٍ للإستفادةِ من الصّالحينَ والصّادقين حتّى ولو كانوا في قبورهم
نتابعُ معكم لِنشرِ حياةِ الشّيخ حضرت محمود سامي رمضان أوغلو (قدّس الله سرّه العالي) بقلم أمينِ سرّهِ المعنوي وسراجُ الطالبينَ لهذه الطّريقةِ العليّةِ بعد وفاته، الشّيخ عمر محمد أوزتورك (حفظه الله)
كان الشّيخ حضرت سامي (قدّس الله سرّه العالي) يُكرّر في مجالسِهِ وصُحْبَتِه بأنّ إستفادةَ ومساعدةِ الصّالحينَ بعضُهم لبعضٍ ستستمرُّ وتدومُ حتّى صباحَ المحشرِ أيضاً
ونقل لنا هذا المثال كما ذُكِر في كُتُبِ التّفاسير
توزَنُ حسناتِ رجلٍ في يوم ِالقيامةِ في الميزان، فتتساوَى سَيِّئَاتُهُ بِحَسناتِه (أي إذا كانت عنده 1000 حسنةٍ كانت عنده 1000 سيّئةٍ مثلِها
يقول سبحانه جلّ وعلا: “إِذْهَبْ إِلى أمِّكَ وَأَبِيكَ وَاطْلُبْ مِنْهُمَا حَسَنَةً وَاحِدَةً. فَإِنْ أَعْطَيَاكَ الحْسَنَةَ، اِئتِني بِها ِلكَيْ أُدخِلكَ الجنّةَ.” فيذهب ذلك العبد
في ذلك اليوم الذي ضاق كلُّ نفسٍ بهمّ نفسهِ وبلطف الله يَلْقَى الرجلُ أمَّه وأبيهِ ويحكي لهما حالته فيقولانِ له: يابُنيَّ، نحن في هذا اليوم الذي ضاق كلُّ نفسٍ بهمّ نفسه ما استطعنا أن نَنجُو بأنفسنا حتَّى نُساعِدَكَ بحسنةٍ واحدة. (أي لا نستطيع أن نعطيكَ شيئاً)
يرجعُ ذلك العبد إلى ربّه حزيناً وهو فارغ اليدين ويعرِض حالته المكروبةَ قائلاً: ياربّ، إنّ أمّي وأبي لم يُعطيانِي شيئاً. بعد ذلك يقول الحقُّ (سبحانه وتعالى) لِعبده الذي رجع حزيناً: “أليسَ لكَ حبيباً أو صديقاً حميماً أحببْتهُ وأحبّكَ من أجل رضائي؟” فيتذكّر العبدُ في ذلك الوقتُ العصيبِ (بفضل الله) ويقولُ: نعم ياربّ، أنا وعبدك الفلانيّ كُنّا مُتحابّينَ في الله. (أي كُنّا نُحبُّ بعضَنَا متقابلين في سبيل رضائِكَ فقط) وبلطف الله وفضله يَلْقَى ذلك العبدُ أخيهِ في الله الذي كان يُحبّه في الدّنيا رضاءاً لوجههِ تعالى ويَعْرِضُ حالتهُ إلى أخيه. فيُجيبُ له أخوهُ ويقول: يا أخي، خذ ما تُريدُ من حسناتي قدرَ حاجتك، فأنا لم أستطع أنجوَ بنفسي، وهبتُ لك حسناتي فاذهب أنت ونجِّ نفسكَ من ضيق هذا اليوم
يرجع ذلكَ العبدُ المحاسَبُ لحضورِ ربِّه وهو فَرِحٌ والبِشَارَةُ على وجهه ويَعْرِضُ ما جرى له من حالٍ للحقِّ سبحانه وتعالى. فيقولُ ربُّنا (جلَّ وعلا): “أهوَ في يومِهِ المضْطَرِبِ عطفاً ورحمةً على أخيه يُعطيه حسانته؟ فأنا الجوَادُ الكريمُ وأرحمُ الرّاحمين فبعفوي وكرمي عفوتُكما” ما أعظمه من تبشيراتٍ إلهيّة. الحمد لله ربّ العالمين. رزقنا اللهُ جميعاً المحبّةَ في ما بينَنَا لِرِضائِهِ سبحانه وتعالى. (آمين)
كان الشّيخ سامي (قدّس الله سره) يستمرُّ لتعليمهِ العالي (أي الجامعي) في مدينة إسطنبول بعدما أكمل دراسته في المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية (أي الرشديّة) في مدينة أطنة. وتخرّج من كليّة الحقوق وهو حائزٌ للمركزِ الأوّل على مستوى الكليّة. وكان حضرتُه من المداومينَ لمدّةٍ يسيرةٍ لِدرگاهِ (أي تكيّة) الگموشخانوي.
وفي هذه الأثناء قال له رشدي أفندي الذي كان من مدرّسي بايزيد وكان والداً للأستاذ المرحوم فؤاد چام ديبي (مفتي بشيكتاش سابقاً) قال له: يا ولدي سامي. تعال معي لكي آخذَك إلى شيخ المشايخ أسعد الأربليّ (قُدّس سره.)
قبِلَ الشيخ سامي (قدس الله سرّه) هذا الطّلب وذهب مع رشدي أفندي إلى درگاه الكلامي (أي تكيّة الشيخ محمد أسعد الأربلي قدّس الله سره) وفيما بعد، يحكي لنا الشيخ سامي (قدّس الله سره العالي) تفاصيلَ هذه المقابلة الأولى بكلامه الشريف ويقول
حينما وصلنا إلى حضورِ أستاذِنا (أي الشيخ أسعد أربلي قُدّس سره) قبَّلنا يدَهُ. فقال الأستاذ رشدي أفندي: يا أستاذي. هذا الشّابُّ الذي أتيتُ به إلى هنا، هو من أولادِ الشّيخ أحمد ضياء الدّين الگموشخانوي واسمه سامي أفندي الأطنَوي
حينما قال رشدي أفندي هذا الكلام، فجأةً قال أستاذُنا الشيخ أسعد الأربلي (قدّس سره) : لا، بل هو ولدُنا نحنُ. وسألَني حضرتَهُ عن الأورادِ التي كنتُ مداوماً لها هناك؟ فقلتُ: يومياً، المداومةُ لذكرِ الله تعالى خمسةُ آلافِ مرّة وتلاوةُ جزءٍ من القرآن الكريم وقراءةُ دلائلِ الخيرات
فقال الشيخ: يابنيَّ. يجبُ علينا أن نبدأ التَّداوي (أي المعالجة) من مكانِ المرضِ نفسُهُ. منْ أجلِ هذا، تَتركُ هذهِ الأورادِ كلَّها لمدّةٍ معيّنةٍ وتبدأُ لذكرِ اللهِ تعالى بقلْبِكَ. وبهذا الكلام أعطى للفقيرِ (أي الشيخ سامي قدّس سره) الإنابة
وبهذا تحقَّقَ الوصالُ، وفُتحَ للنهرِ مجراهُ، والتقى النهرُ الجاري للبحر وانجلى الفراقُ
بلطفِ وعنايةِ جنابُ الحقِّ سبحانه وتعالى، أكملَ سيّدُنا حضرتِ سامي (قدّس الله سرّه العالي) سيرَه وسُلوكَه خلالَ بضعةِ أشهُرٍ قليلة. التّجلّي الذي لم يتحقّق في الدّرگاه خلالَ سنتين من قبل، حصلَ هنا في هذا المكانِ خلال أشهرٍ قلائل. واستحقَّ خلال مدّةٍ قصيرة على أخذِ الأجازة ومقامِ الخلافةِ المطلقة
ينقلُ لنا حضرته هذه القصّة، مشيراً إلى وظائفِ المرشد الكامل
في أيّامِ شبابي كنتُ مداوماً لِلدّرگاه (أي التكيّة.) كان هناك درويشٌ وهذا الدّرويش كانت وظيفتَه العنايةَ ونظافةِ أحذيةِ المنتسبين للدّرگاه (أي للتّكيّة.) في يوم من الأيّام، أخذتُ من يدهِ قطعةَ القماشِ التي كان يمسحُ بها الأحذية فوضعتُها تحت العدسة. ومسكتُ العدسةَ فوق القماش لمدّةٍ قصيرة. فبسببِ تسليط وتكثيف أشعّةِ ضوءُ الشّمسِ بواسطةِ العدسة، تولّعت قطعةُ القماشِ وأخذت تحترق. فتحيَّرَ الدرويشُ من هذا الحال
بمثل هذا، المرشدُ الكاملِ يُكثِّفُ النّورَ الذي أخذهُ من سيّدِنا ونبيِّنا محمدٍ الذي هو رسولُ الثّقلين وشمسُ الرّحمةِ في الدّارين (صلّى الله عليه وسلّم.) يُكثّفُ المرشدُ هذه الأنوار المحمّديّة لقلوبِ المنتسبينَ والذين من هُم مُهيّأٌ قلوبُهم لتقبُّلِ هذا النّور. وبهذا النّورِ المحمّديّ، يتمُّ إحياءُ قلوبهم ويُوَصِّلُهم إلى مرتبةِ الكمال بإذن الله تعالى
المرشدُ الكامل، مَثَلُه كمثلِ الرَّاعي. لو كانَ هناكَ أحدُ الأغنامِ ساقهُ مكسوراً، هل يتركه الرّاعي هناكَ ويأتي بدونَه؟! يأخذُه ويحملُه على ظهره ويأتي به إلى بابُ مُراحِه
بمثل هذا، فالمرشدُ الكاملِ أيضاً لا يتخلَّى عن أيِّ أحدٍ من أولادِهِ المنتسبينَ ولا يتركُ أحداً منهم بإذن الله
كان سيدنا حضرت سامي الذي وجد مرشِده الكاملِ وقضَى أيامَ شبابه في خدمة الطّريقة العليّة والشّريعة المطهّرة وكانَ ينالُ المقاماتِ ويجتازُ المراتبَ المعنويّةِ بسرعةٍ فائقة. مثلَ ما هو مذكورٌ بأقواله، كان يؤكّدُ لنا بأنّ الإخلاصَ والتّسليميّةَ التّامةِ من الشّروطِ الأساسيّةِ للمُريدِ (أي السّالك) في هذا الطّريقِ لاجتياز جميعِ المراتبِ المعنويّةِ بسرعةٍ قُصوى. وكان يقول لنا مُمثّلاً التّسليميّة: المريد (أي السّالك في هذا الطّريق) يجبُ عليه أن يكون حالَه أمامَ مرشدِهِ كمثل حالِ الميّتِ أمامَ الغسّال (أي، يجب أن يكونَ تسليميّة المريدِ لمرشدهِ تسليميّةً تامّة) للوصولِ إلى (مرحلةِ) النّتيجة بإذن الله تعالى
وينقلُ لنا هذه القصّة ويقول: إنتسبَ أحدُ طُلّاب العلّامةِ التفتظاني (رحمه الله) إلى أحدِ المشايخِ وبعد مُدّةٍ ظهرت آثارُ هذا الإنتساب وصار يتكلّم (أي يصدرُ من هذا الطّالبِ المريد) كلاماً وأقوالاً ذو حكمة بحضورِ أستاذه. فقال له أستاذه (أي العلّامةُ)
يا بُنيَّ ، من أين لك هذه الكلمات المليئة بالحكم، وأنا لم أعلّمُكَ إيَّاها؟ ردَّ المريدُ قائلاً: سيّدي، أنا انتسبتُ إلى أحدِ المشايخِ وبأمره أصبحتُ أُداومُ لذكرِ الله تعالى فيحصلَ لي الإشراقَ وأتكلّمُ بهذه الكلماتِ والأقوالِ الحكيمة
وبناءً على هذا القول، طلبَ العلاّمة التّفتظاني من هذا المريد أن يأخذه إلى شيخه الذي هو منتسبٌ له. وقال: يا ولدي، خذني إلى شيخِكَ الّذي انتسبتَ إليه. وانتسبَ هو أيضاً (أي العلّامة) للشيخِ المشارُ إليه. لكن، إمّا من عدم التّسليميّةِ أو من عدم القسمةِ والنّصيبِ لا تظهرُ في ذاته آثارُ التّجلّيّاتِ التي ظهرت في المريد ولا تحصُلُ له الإستفادة مثلما كان يستفيدُ به المريدُ من الشّيخ
وبناءً على هذه القصّةِ التي كان يحكيها لنا الشّيخ سامي (قُدّس سره) كان يُشير إلينا ويوصينا بأنَّ الأشخاص الذين عندهم الإستعداد (إذا كان عندهم نصيبٌ للتّقبُّل) يجبُ عليهم أن يبحثوا لمرشديهم ويستسلموا له بالتّسليميّة التّامّة. فبإذن الله سيحصلُ لهُمْ (على قدر نصيبهم) النّتيجةَ المطلوبة، ويتقدّموا ويجتازوا المراتبَ المعنويّةِ بأقصى سرعةٍ ويُكْملوا مشوارَهم بالوصولِ إلى مرتبةِ الكمالِ
الشّيخ سامي (قدّس سرّه) الذي كان (بإذن الله تعالى) جميعُ هذه الآثار الكماليةِ موجودةً في ذاتهِ الشريف، حصل على الأِجازةِ في هذا الطّريقِ في مدّةٍ قصيرة. وأُعطِيَتْ لهُ وظيفةُ الإرشاد
ومن الذّكرياتِ الخاصّةِ لأيّامِ خدمته في درگاهِ الكلامي (أي التّكيّة) يحكي لنا بهلوان أفندي الذي كان منسوباً لمدينة (آطه پازاري) ويقول: ذهبنا مع عشرة أشخاصٍ من أصدقائي لزيارة الشيخ أسعد أربليّ (قدّس سرّه) ودخلنا للتّكيّة. وكانتِ الجلسةُ قد بدأَتْ وتستمرُّ على حالتها أثناءَ دخولِناَ. بسبب كثرةِ الحاضرينَ كان القسمُ الداخليُّ للتكيّةِ مليئاً تماماً فجلسنا بالخارج وبدأنا نستمعُ إلى كلامه ونحن لا نراه. ولأنّنا أتينا لأوّل مرّةٍ لسماعِ الشّيخِ وجلستهِ كان بداخلنا شعورٌ لا يُوصَف. وخلالَ الجلسةِ، كان هناكَ شابّ يتجوّلُ بين الإخوةِ (أي ضيوفُ التّكيّة) ليخدِمَ لهم. فقلتُ في نفسي: يا حبَّذا لولم يتجوّل هذا الشّابُّ بين الضّيوفِ لئلَّا يتشتّتَ فكرُنَا وتكونَ إستفادتُنا أكثر
وبعد انتهاء الجلسة قال الشّيخ أسعد أربلي (قدّس سرّه) مخاطباً: بهلوان أَفندي الأطه پازاري وأصحابهِ العشرةِ ليأتُوا هُنا فوراً
استغربتُ لهذا القول والخطاب لأنّه ما كان يعرفُنَا من قبل، وما رآنا حينَ دخولِنا للتّكيّة. فقال لنا: لقد أسأتمُ الظّنَّ في حقِّ ولدِنا سامي، فتحلَّلوا. وأَمرَنَا بأن نأخُذَ منهُ العفوَ والسّماح. فطلبنا منه أَن يعفُوَ عنَّا
وبحمد اللهِ تعرّفنا بهما وعرفنا المحبّةَ العميقةَ والقويّةَ التي كانتْ مكمونةً فيما بينَهُما. (الحمد لله)
كان الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) يُمضي جميعَ أيّامه بليله ونهاره في سبيل الخدمة. وكان يتولّى جميعَ أمورِ التّكيّةِ من نظافتهَا إلى السّعيِ في تلبيةِ الإحتياجاتِ الخاصّةِ بالإخوانِ المتواجدينَ فيها. وكان يقضي جميعَ حوائجِهِم بالمحبَّة. وبهذا كان حضرتُه يوماً بيومٍ يزدادُ محبةً وانقياداً تِجاهَ أُستاذهِ
وحينما مرِض حسين أفندي (وهو أحدُ المتواجدينَ في التّكية والّذي قال في حقّه الشّيخ أسعد أربليّ (قدّس سرّه): من النَّاحيةِ المعنويّةِ نحنُ في مرتبةٍ واحدةِ ولكنَّ هذهِ الوظيفة (أي وظيفةُ الإرشادِ) أُعطِيَتْ لنا. قال الشّيخ أسعد أربليّ (قدّس سرّه) هذا القول في حقِّ حسين أفندي. وحينما أصبح مريضاً ولا يستطيعُ القيامَ من فراشهِ، قال الشّيخ أسعد أربليّ (قدّس سرّه) وهو سائلٌ للإخوان: من الطّالبُ لخدمة هذا الذّات؟ (أي من منكم يتولَّى خدمةَ حسين أفندي؟) وبسرعةٍ قبِلَ الشّيخ سامي (قُدّس سرّه) خدمةَ حسين أفندي وكان يسعَى إلى خدمته ويخدِمُ له بمحبّةٍ
استمرَّ الشّيخ سامي (قدّس الله سرّه العالي) في خِدمةِ حسين أفندي لمدّةٍ طويلة، بما فيها المساعدةُ في دفعِ وقضاءِ حاجته. وحينَ إنتهاءِ هذهِ الخدمة دعا لهُ حسين أفندي وقال: يا ولدي، أدعو لجنابِ الحقِّ وأسألُ اللهَ الذي جلَّت عظَمته وشانه، أن يَهَبَ لكَ جميعَ ما وهبه لَنا ويُحسِنَ إليكَ بلْ وأكثر
كان نظرتُه إلى هذه الدّنيا نظرةَ معتبِرٍ (أي كان يعتبرُ هذه الحياةِ الدّنيويّة كسفرٍ يبدأُ بالولادةِ وينتهي بالقبر.) كان يتمثّل بقولِ النّبيِّ (صلّى الله عليه وسلّم) في حديثه الشّريف: “مَا لِي وَلِلدُّنيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا” وطبّق حُكمَ ما تضمّنه هذا الحديثِ النّبويِّ في كلِّ وقتٍ وحينٍ طيلةَ عمرِه الشريف (قدّس الله سرّه.)
يقول الشّيخ عمر محمّد أوزتورك (حفظه الله): سأَلني السَّيد محمود (حفظه الله) الَّذي هو أحدُ علماءِ الأزهر، عن كلامِ وأحوالِ الشّيخ سامي (قُدّس سرّه) فأخبرتُ له عن أحدِ أحوالِه الذي جاء بخاطري آنذاك والذي كان بُرهاناً لفهم الشّيخ العميقِ وتَمسُّكِهِ في تطبيقِ السّنّةِ النَّبويّة: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): “إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقاً” (أي حين رجوعكم من سفركم لا تدخلوا لبيوتكم بغتةً دونَ أن تخبروهُنّ) ولأنَّه كان ينظرُ إلى هذهِ الحياةِ الدّنيويّة كسفرٍ وكان يعتبرُ كلَّ حركاتهِ وذهابَهُ وإيابَهُ وحتّى قيامَهُ من مكانهِ كان يعتبرُه وكأنَّهُ في سفرٍ
كلّما قام ليذهبَ للوضوءِ كان طريقُهُ يمرُّ من غرفة زوجته الكريمة. فطيلةَ حياتهِ الزّوجيّةِ التي استمرّت لمدّةٍ ما يقارب أكثر من نصف العصر وفي كلّ مرّةٍ عند ذهابه للوضوءِ وإيابه منه، دون تعبٍ أو مَلَلٍ وبِمحبَّةٍ تامّة كان يُخبِرُ (قَدّس الله سرّه) زوجته بمجيئهِ ولا يدخلُ للغرفةِ إلّا بعد سماعِ صوتها وهي تقول: “تفضّل يا سيّدي” ولا يمُرُّ من غرفتها إلّا بعد هذا الإستئذان. وهذا الحال كان يتكرَّرُ على الأقلِّ عشرةِ مرّاتٍ في اليومِ خلال السِّتِّينَ عاماً دونَ انقطاع
حينما قُلتُ هكذا، قام عالمُ الأزهرِ فجأةً وقال: “واللهِ ما هذا الذّاتِ إلّا وهو صاحبُ الزّمانِ. لا يستطيعُ أيِّ أحدٍ دونَهُ فهِم الحديثِ النّبويِّ وتطبيقِ السُّنَّةِ بهذا القدرِ من التّعمّقِ والإحاطةِ إلّا هو.” الحمد لله ربِّ العالمين
سيّدنا حضرتِ سامي (قدّس الله سرّه العالي) الذي كان غايتُهُ الأساسيّةِ والوحيدةِ هي تطبيقِ وإحياءِ سنّةِ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وهوَ المذكورُ في الكتب السّالفةِ بهذا التعريف
“رَسُولٌ سَيْفُهُ مُعَلَّقٌ بِعُنُقِهِ”
كان متّبعاً لِسيّدِنا رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) حتّى في هذا الأمرِ حيثُ التحقَ بالجيشِ في أثناء السّفَر (أي الغزوة) وأصبحَ غازياً
وكان يحكي لنا هذا الموضوع بنفسِه ويقول: في الحربِ العالميّةِ الأولى كنتُ في الجيش العُثمانيّ برتبةِ ضابط اللوازم (أي التَّموين.) وكانت وِحدَتُنا العسكريَّةِ بمدينةِ (أدِرنة) وكان شِدّةُ الجوعِ والقحطِ في أقصى درجاتها حيثُ كان عساكِرُنا لا يجدونَ شيئاً يأكُلونَه وكانوا يمضُغونَ أوراقَ شجر الحور لِيدْفعوا حِسَّ الجوعِ من بُطونهم ولو لفترةٍ قصيرة
وكان يُحَفّظُنا قولَ سيّدِنا أبي بكرٍ الصّدّيق (رضي الله عنه) :
(( مَا تركَ قومٌ الجِهَادَ إلّا ذَلُّوا ))
كان (قُدّس سرّه) يُعلِّمُ ويحفِّظُ هذا القولِ الشّريفِ لكلِّ طُلَّابهِ، وبهذا كان يُعلّمُنا بحياتهِ الشريفةِ الجهادَ في سبيل اللهِ تعالى قولاً وفعلاً مُطبِّقاً لحُكمِ ما تضمَّنتْهُ الآيةُ الكريمة: بسم الله الرّحمن الرّحيم “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ” صدق الله العظيم
بهذهِ النّيّةِ المباركةِ اشتركَ للحرب وصار غازياً. وبعد ذلك عاش ما بقي من عمره وهو مُتشوّقٌ لسلِّ السّيفِ في سبيلِ الإسلام. حتّى عندما وصل عمرُهُ الشّريفِ إلى التسعينِ، وكان يتحدّثُ في أحدِ جلساتهِ عن إسلامِ الصّحابيّ الجليل عمر بن ثابت (رضي الله عنه) في غزوة أُحُدٍ، في حينِ تعريفهِ بالصّحابيّ الملقَّبُ بلقبِ الأصرم ووصفِ هجومهِ للعدوِّ، كان حضرته يقفُ على ركبتيهِ رافعاً يدَهُ المباركةِ كأنّهُ قابضٌ بالسّيفِ، وكأنّه (فجأةً) سيهاجمُ بسيفهِ الذي هو قابضٌ بيدهِ لجيشِ العدوِّ في لحظةٍ واحدة. وهذا الحال، لا يُستطاعُ الفهمُ أوِ الوصفُ بهِ إلّا بالمشاهدة
كانَ يعيشُ بنفسهِ أولاً، ثمَّ يحكِي لنا. وأثناءَ حكايتهِ كان يعيشُ هذا الحالَ والمشهدَ بعينهِ مرةً أخرى
وكان كلَّ حياةِ سيّدِنا حضرتِ سامي جهاداً. طوال العمرِ جهادا. وعاش هذا الجهادَ فعلياً ضِدَّ جيشِ العدوِّ وبيدهِ السّلاح وصار غازياً
ونفعنا اللهُ تعالى بشفاعتهِ. جعلنا اللهُ (جلَّ جلاله) مِمّن يعيشون محبَّتَهُ بِحقٍ ويُحشَرونَ على هذه المحبَّة (آمين) بحرمةِ سيّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ (صلّى الله تعالى عليه وسلّم.)
Sosyal Medya Hesaplarımızı Takip Edin